هل يمكن الاستفادة من نفايات الطاقات المتجددة في توليد الطاقة؟ يختلط هذا التساؤل مع قلق وتخوّف متزايد، ولا سيما أن مصادر الطاقة النظيفة المستخدمة حتى الآن كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية ما زالت تتسبب في بعض مظاهر التلوث للبيئة أو لصحة الإنسان، وإن كانت أنظف من الوقود الأحفوري، فكيف يمكن جعل عملية التخلص من النفايات صديقة للبيئة مع انتهاء دورة حياتها؟
نناقش في المقال نفايات الطاقة المتجددة وتقنية تحويل المخلقات إلى طاقة WtE، وهل هي فعلاً تعد مصدراً متجدّداً للطاقة؟ تابع قراءة المقال لتعرف الإجابة والعديد من الأمور الأخرى ذات الصلة بهذا الموضوع.
مفهوم النفايات إلى طاقة WTE
يشير مصطلح Waste to Energy إلى إحدى مراحل العمل الأساسية في سلسلة إدارة النفايات بصورة تحقّق الفعالية والاستدامة، ويقوم على مبدأ إعادة التدوير للنفايات بطرق اقتصادية وصديقة للبيئة؛ بهدف توفير مصدرٍ متجدّدٍ للطاقة من تحويل النفايات.
مشكلة الطاقات المتجددة
صناعة الطاقة المتجدّدة صناعة حديثة، وتبنّتها العديد من الدول حول العالم، ودعمت صناعتها وتركيب أنظمتها كألواح الطاقة الشمسية، وأنفقت ميزانيات كبيرة على توسيع وتطوير هذه الصناعة. كانت الإيجابيات كبيرة على المستوى الاقتصادي والبيئي، ولكن بالمقابل ظهرت مشكلة المخلّفات والتخلص من هذه المعدّات بعد انتهاء دورة حياتها بشكل يتناسب مع الهدف من تركيبها، وهو التخلص منها بطريقة تحافظ على البيئة والإنسان في آن معاً.
لا شك في أنّ ذلك يتطلب اتباع نهج مستدام إزاء نفايات الطاقة المتجدّدة يتمثّل في إنشاء وتنفيذ اقتصاد دائري، ووجود محطات تحويل النفايات إلى طاقة يسمح بتوليد الطاقة من نفايات الطاقة البديلة. ومع ذلك، لكي تعمل إدارة النفايات المتجددة بفعالية، سيكون من الضروري تطوير التكنولوجيا وتحسين السياسة التي تشجّع على إعادة استخدام هذه المواد.
نفايات الطاقة المتجددة
تندر الإشارة إلى موضوع النفايات عند الحديث عن الطاقة النظيفة، بهدف التركيز على إيجابيات هذه الصناعة الجديدة على حساب سلبياتها، مع ضغوط تغيّر المناخ والضرورة الملحّة لإيجاد موارد طاقة بديلة، بيد أنه لضمان استخدام الطاقة المتجددة بطريقة مستدامة، من الضروري إيجاد حلول للتخلص من نفاياتها بشكل مستدام ومناسب للبيئة.
تمثّل الألواح الشمسية تحدّياً أساسياً على اعتبار أن الألواح المكسورة تطلق ملوثاتٍ سامة. تقدّر الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة (IRENA) أن الألواح الشمسية أنتجت 250 ألف طن متري من النفايات في 2018 وحدها.
بالطبع مسألة التخلص من نفايات الطاقات المتجدّدة ليست بالأمر السهل. ففي حين أن نفايات الطاقة المتجدّدة قد تتكون من مواد أقل سمية من المنتجات الثانوية للوقود الأحفوري، إلا أنها ما تزال تشكل خطراً على البيئة، ولا سيما إن كانت غير قابلة للتدوير.
محطات تحويل النفايات إلى طاقة WTE
يشار إلى محطات تحويل النفايات إلى طاقة باسم مصانع WTE، ويتمثل الهدف الرئيسي منها في تجديد دورة حياة النفايات الصناعية عن طريق تحويلها إلى طاقة، وأيضا توليد الكهرباء من نفايات الطاقات المتجددة. ولكن هل يمكن لهذه المحطات أن تكون حلاً فعّالاً لمعالجة النفايات الناتجة عن الطاقات البديلة؟ ما يزال هناك جدل يدور حول ما إذا كان يمكن اعتبار هذه العملية مستدامة بالفعل.
للإجابة عن هذا السؤال، من الضروري والمفيد أيضاً توضيح نوع النفايات التي تعالجها هذه المحطات. فإذا كانت غالبية النفايات عضوية، مثل نفايات الطعام والحفاضات، قد ينتج مصنع WTE كمية ثاني أكسيد الكربون تفوق ما تنتجه محطات الوقود الأحفوري. أما إذا كانت المحرقة تعالج فقط المنتجات المشتقة من الوقود الأحفوري، مثل البلاستيك، فإنها تميل إلى إطلاق نصف ثاني أكسيد الكربون في محطة فحم قياسية. يعني ذلك، أن مصانع WTE كحل لنفايات الطاقة المتجددة، تعد خياراً أكثر استدامة من التخلص من المخلفات في مكبّ النفايات.
حلول جديدة لمعالجة النفايات
أصبحت إدارة النفايات حاجة ملحة مع نفاد مكبّات النفايات، نتيجة تزايد محدودية توفّر الأراضي والتوسع في البناء، الأمر الذي يستدعي من الحكومات التفكير بحلول فعّالة ومستدامة لإدارة النفايات، بما في ذلك تكنولوجيات WTE، وتنفيذها على أرض الواقع.
تحوّل تكنولوجيات WTE النفايات غير القابلة لإعادة التدوير إلى أشكال قابلة للاستخدام من الطاقة، حيث تولد الحرارة الناتجة عن احتراق النفايات بخاراً شديد الحرارة في الغلايات، يدفع المولدات التوربينية إلى إنتاج الكهرباء، ولكن تبقى هذه المحطات هي حل مرحلي من خطة شاملة لإدارة المخلفات، تبدأ بتقليل النفايات ثم إعادة تدوير ما نتج وحرق WTE، وأخيراً تسليم الرماد المتبقي إلى مكبات النفايات.
أهمية أنظمة WTE للطاقة المتجددة
هل تعلم أن النفايات يمكن تحويلها إلى طاقة؟ نعم بالفعل. بعد معالجة هذه النفايات، تخصع لعملية تحويل النفايات إلى طاقة WTE، ثم تحويلها إلى كهرباء أو بخار أو حرارة من خلال استخدام الحرارة الناتجة عن الاحتراق في تسخين الماء، أو توليد البخار أو توليد الكهرباء عبر توربينات تعمل بالبخار.
تتلخص فوائد تحويل النفايات إلى طاقة WTE في النقاط التالية:
- تمتلك قدرة تحويل النفايات إلى رماد، يعني ذلك انخفاضاً في كمية النفايات، وفي انبعاثات الميثان الناتجة عن تحلل المواد العضوية المتحللة في مكبات النفايات.
- يمكن أن تكون أنظمة WTE حلاً مكملاً فعّالاً لمصادر الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري، مع تقليل متطلبات مكبات النفايات في المدن، وتوليد الطاقة المتجدّدة وتحقيق مصدر دخل للحكومات.
- توليد كمية كبيرة من الطاقة: يمكن أن تكون الكهرباء المولدة كافية لتغطية 50٪ أو أكثر من احتياجات المحطة.
- تتميز هذه التقنية بإمكانية توليد الطاقة المتجددة من تقنية WtE على مدار اليوم، ما يجعلها تتسم بالموثوقية وإمكانية التخطيط، الأمر الذي يترتب عليه مرونة في توليد الكهرباء للشبكة الكهربائية بأكملها.
فوائد تحويل النفايات إلى طاقة
- توفّر مرافق تحويل النفايات إلى طاقة (أو الطاقة من النفايات) وسيلة آمنة ومتطورة التكنولوجيا للتخلص من النفايات.
- تساعد تقنية تحويل النفايات إلى طاقة (WTE) في التخفيف من تغير المناخ. لأن النفايات المحترقة في منشأة WTE لا تولد غاز الميثان، كما هو الحال في مكبّ النفايات، وتسترجع المعادن التي كانت ستُرسل إلى مكب النفايات لإعادة تدويرها بدلا من التخلص منها؛ وتحول الغازات الدفيئة إلى الكهرباء بدلاً من إنتاجها في محطات الفحم والغاز الطبيعي.
التقنيات المستخدمة في نظام WTE
تتطور عملية تحويل النفايات إلى طاقة بصورة مستمرة، ونذكر في هذه الفقرة أهم التقنيات المستخدمة فيه:
- تقنية الشبكة المتحركة والحرق الجماعي: تتميز هذه التقنية بشبكة متحركة تحرق النفايات الصلبة على شبكة، تنتقل من عمود تغذية إلى حفرة الرماد. لا تتطلب تقنية الشبكة المتحركة المعالجة المسبقة أو فرز النفايات، ممّا يسمح لها باستيعاب كميات كبيرة أو التغيير في تكوين النفايات والقيمة الحرارية.
- تقنية السرير المميع: هي تقنية أنظف وأكثر كفاءة في تحويل النفايات إلى كهرباء، ولكن العملية تحتاج إلى فرز مسبق للنفايات من أجل تشغيلها، مما يجعلها أكثر تعقيداً وتكلفة مقارنة بأنظمة الشبكات المتحركة.
محطات تحويل النفايات إلى طاقة WTE عالمياً
تحرص الحكومات في معظم الدول على الاستفادة من تقنيات تحويل النفايات إلى طاقة (WTE)، لكن الأمر يتعدى مجرد منح تراخيص لإنشائها إلى الوصول إلى حلول WTE مستدامة اقتصادياً وبيئياً.
توجد حاليا عشر محطات لتحويل النفايات إلى طاقة، أو مشاريع تجريبية تنفذها الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا بما في ذلك سنغافورة وتايلاند وإندونيسيا وفيتنام. كما وتحتل الصين أهمية خاصة في هذا الشأن؛ نتيجة تطويرها المستمر لتكنولوجيا تحويل النفايات إلى طاقة، وتسويقها إلى المصانع التي تطبق هذه التقنية.
وتحتل اليابان المرتبة الثانية حيث يبلغ عدد محطات تحويل النفايات إلى طاقة 380 محطة، تحول ما يقرب من ثلث النفايات في البلاد إلى كهرباء.
حقائق حول تقنية تحوبل المخلفات إلى طاقة (WtE)
- يعدّ تحويل النفايات إلى طاقة (WtE) قضية رئيسة لنظام إدارة النفايات. فمن منظور نظام الطاقة، تساهم WtE في تقليل الانبعاث الكربوني ومعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
- يوجد ارتباط وثيق بين تحويل النفايات إلى طاقة والتأثيرات البيئية وتحسين كفاءة الطاقة وانبعاثات غاز الاحتباس الحراري، ولكن ما زال تطبيق هذه التقنية جديداً، ويُقابل برفض كثير من الباحثين، ولا سيما فيما يخص بناء هذه المحطات بالقرب من المناطق بسبب المشكلات المتعلقة بالصحة.
- بدلاً من تشجيع إعادة تدوير النفايات وسياسات الاقتصاد الخالي من النفايات، يروج إلى أن محطات WTE تؤدي إلى مزيد من المخلفات، ولكن ذلك لم يمنع البلدان من تطبيق هذه التقنية لإعادة التدوير، ووضع سياسات أكثر صرامة للحد من النفايات.
- تعدّ WTE واحدة من الطرق الرئيسة، للتخلص من النفايات التي لم توظّف كما ينبغي حتى الآن؛ إذ تتمثل الميزة الرئيسة لهذه التقنية أنها إلى جانب كونها تخدم أوساط إدارة النفايات بوصفها طريقة فعالة للتخلص النهائي، تسهم أيضاً في قطاع الطاقة من خلال كونها مصدراً للطاقة المتجدّدة.
- تعدّ تقنية تحويل النفايات إلى الطاقة أحد مصادر الطاقة المتجدّدة، نتيجة القدرة على التحكم بجعل العملية محايدة للكربون، عن طريق قصر الحرق على مواد النفايات غير المشتقة من الوقود الأحفوري.
- مع تزايد الكثافة السكانية وتدفقات النفايات المتزايدة باستمرار، يرجّح أن تكون WTE الحل العملي الوحيد للتخلص من النفايات للمدن الكبيرة بكفاءة وفعالية.
- تعدّ النفايات مصدر إمداد مضموناً لا يُتوقع أن يتقلص حجمه في أي وقت قريب مع التزايد السكاني الذي تشهده الدول حول العالم.
اقرأ أيضا تأثير الطاقات المتجددة على كفاءة الطاقة
كيف تحقق تقنية Waste-to-Energy أهداف الطاقة المتجددة
مع الاعتراف بالكتلة الحيوية كمصدر أساسي للطاقات المتجدّدة، تكتسب تقنية توليد الطاقة من النفايات صفة كونها متجدّدة جزئياً، على أساس أنّ النفايات المعالجة في مصانع WtE هي بيولوجية المنشأ بصورة جزئية.
في السياق ذاته، يشكل تحويل النفايات إلى طاقة خط الوصل بين الاقتصاد الدائري (تقليل الهدر وترشيد الاستخدام للموارد) والطاقة المتجدّدة، حيث إنه يوفّر إدارة النفايات غير القابلة لإعادة التدوير بأمان، واستخدامها كمورد بفضل استعادة الطاقة وإعادة تدوير المواد.
من ناحية أخرى، تسهم هذه التقنية في إنتاج الوقود المتجدّد والمنخفض الكربون (مثل الهيدروجين والميثانول)، الأمر الذي يصبّ في الأهداف المحددة في مجال الطاقة المتجدّدة، ولا سيما على مستوى المناخ.
تحفيز الاستدامة في مجال توليد الطاقة من النفايات
مع تحدي معالجة النفايات للتخلص منها بطريقة آمنة، تبرز مشكلة التكلفة، حيث إن التخلص من المواد قد يكلف أكثر من قيمة إنتاجها، الأمر الذي يستدعي وضع حوافز من جانب الحكومات والهيئات الصناعية، لإعطاء الأولوية لخطة إدارة النفايات عندما يتعلق الأمر بالطاقة المتجدّدة.
إضافة إلى ذلك يعدّ التطور التكنولوجي في مجال صناعة الطاقات المتجدّدة عاملاً حيوياً في تشجيع الاستثمار في هذه المجال، وتقليل تأثير نفايات الطاقة المتجدّدة. فالألواح الشمسية الجديدة -على سبيل المثال-ينتج عن تصنيعها كمية نفايات أقل، نتيجة استخدام كمية سيليكون أقل.
ختاماً، يعدّ توليد الطاقة من الموارد المتجدّدة خطوة نحو مستقبل أكثر استدامة، ولكنه يتطلب مزيداً من الاهتمام بشأن كيفية التخلص من نفاياتها وموادّها التي تعدّ صالحة للاستخدام لتصبح أكثر استدامة. فهل تجد الأمر يستحق الاهتمام بالفعل؟
المصادر
Waste in the Renewable Energy Industry and How We Can Sustainably Power Our World
