لم تعُدْ الطاقات النظيفة الخيار البديل للوقود الأحفوريّ لكونها تساهم في حل المشكلات المناخية وتقلل نصيب الطاقة من الميزانية فحسب، بل أضحت فرصة عمل ٍ وحلّاً فعّالاً لمشكلة البطالة التي تهدّد العالم عامة ومنطقتنا العربية على وجه الخصوص، ولكن يبقى السؤال: هل الطاقات المتجدّدة تعِد بانفراجات على صعيد الفرد والدولة على حدٍ سواء؟
يجيب هذا المقال عن هذا التساؤل، مشيراً إلى أهم الوظائف المتاحة للعمل في هذا المجال، ومدى جدواها الاقتصادية للفرد، والمهارات المطلوبة لدخول هذا المجال.
هل الطاقة المتجددة خيار توظيف جيد؟
تتجه الاستثمارات في كفاءة الطاقة إلى النمو بما يتماشى مع اتفاقيات إزالة الكربون من كوكب الأرض، ما انعكس إيجاباً على اهتمام المستثمرين في سوق الطاقات المتجدّدة.
وقد رفعت مصادر الطاقة المتجدّدة من استقلالية البنى التحتية للطاقة للدول الغنية بمصادرها؛ وبدأ الاعتماد عليها يزداد في توليد الطاقة اللازمة، ما أدى إلى ظهور الحاجة إلى أيدٍ عاملة، سواء في وظائف على أرض الواقع أم وظائف رقمية تزامنت مع دخول التكنولوجيا الخضراء.
تغيَّر العالم -بدرجةٍ كبيرةٍ- عُقب الثورة الصناعية، وعصر المعلومات والثورة الرقمية التي تصدّرتها تقنياتٌ جديدة مثل الذكاء الاصطناعي AI،وإنترنت الأشياء IoT، وتحليل البيانات الضخمة.
واستجابةً للتغيرات السريعة، أُدخل النظام الرقمي لمتابعة الشؤون البيئية من خلال البيانات التي تُجمَع عبر التقنيات الرقمية الجديدة؛ بهدف تحقيق مناخ صفريّ الانبعاثات الكربونية، ما يعني زيادة الطلب -من ناحيةٍ أخرى- على علماء البيانات، ومهندسي التعلُّم الآلي وغيرهم من الأكفّاء في العالم الرقمي، مقابل نمو البطالة في محطات الطاقة التقليدية نتيجة التحوّل إلى الطاقات الخضراء.
إيجابيات العمل في مجال الطاقات المتجدّدة
من المهم مع ازدهار صناعة الطاقات المتجدّدة، وازدياد مجال التوظيف فيها، التعرف إلى أهم إيجابيات الحصول على وظيفة في سوق الطاقات النظيفة نجمعها في النقاط الخمس التالية:
1- سوق عملٍ متنامٍ
يمرّ سوق الطاقات النظيفة حالياً بفترة الازدهار والنمو التي تترافق مع نمو رأس المال الاستثماري في هذا المجال، وهذا النمو يترتب عليه خلق فرص عمل كثيرة في الشركات العاملة في هذا المجال، فهي تبحث عن كفاءات وأصحاب مهارات محدّدة تلبي حاجة هذا السوق.
على مستوى منطقتنا العربية، شكَّل سوق الطاقات الخضراء نسبة 10% من إجمالي وظائف قطاع الطاقة حتى عام 2017 بالحصة الأكبر الطاقة الكهرومائية، مع توقعات لتجاوزها نسبة 15% بحلول عام 2030، بحسب دراسة حول مساهمة الطاقة المتجدّدة في خلق فرص عمل في الدول العريية.
2- التعويض الوظيفي
يصنّف دخل العاملين في سوق الطاقات النظيفة على أنه أعلى وسطياً من قطاعات الطاقة الأحفورية والصناعات الأخرى، وتتضمن -أيضاً- العديد من الامتيازات كالرعاية الصحية، وخطط التقاعد ما يجعل إجمالي التعويضات تنافسياً مقارنة بالوظائف الأخرى.
3- تنوّع الخيارات المهنية
يتميز قطاع الطاقات المتجدّدة بشموليته وتنوعه الكبير في التخصصات التي يغطيها كالتصميم، أو البناء، أو الصيانة.
4- الأمن الوظيفي
يمكن للعاملين في هذا المجال الشعور بالأمان الوظيفي؛ بسبب التوجه العالمي للاستثمار في هذا السوق على مستوى الحكومات، ما يعني ظهور فرص جديدة دائمة للتوظيف.
5- التفكير المستقبلي والإبداع
تعدّ وظائف الطاقات المتجدّدة الخيار المهني الأمثل للباحثين عن التعلم والتطور المستمر، على اعتبار أنه سوق جديد في ظل تغيرات متسارعة، تتطلب مواكبة كل جديد بصورة مستمرة.
كيفية بدء العمل في مجال الطاقات النظيفة
بغض النظر عن خلفيتك الأكاديمية أو المهنية فهناك مكان للجميع في مستقبل الطاقة النظيفة.
إليك خمس خطوات يمكنك اتباعها للحصول على وظيفة مناسبة في مجال الطاقة المتجدّدة:
1- تحديد الاهتمامات
تحتاج -بداية- إلى أن تحدد المسار المهني المناسب لك، المسار الذي يلبي ميولك وإمكانياتك من أجل أن تتمكن من تحديد الخبرات والتدريبات التي تلزمك لاحقاً؛ إذ إنّ مجال الطاقات المتجدّدة مجال غني بالاختصاصات والمسارات المهنية.
2- التطوع مع مجموعات الطاقة البديلة
يمنحك العمل التطوعي فرصة للفوز بالوظيفة التي ترغب بها من خلال بناء شبكة علاقات مع آخرين ناشطين في هذا المجال، واكتساب الخبرة المطلوبة ولا سيما إن كنت قد حددت المهنة التي تريد الفوز بها. (أمثلة عن مجموعات تطوعية في مجال الطاقات المتجدّدة)
3- التدريب المهني
يوفّر لك التدريب المهني أو التدريب الداخلي معرفة قيّمة لهذه الصناعة. حيث تتيح لك هذه البرامج المهارات والمعرفة المطلوبة للنجاح في اختيارك واكتساب الخبرة.
4- مواكبة مستجدات الصناعة الخضراء
احرص أن تبقى على اطلاع بكل جديد في سوق الطاقات النظيفة، ولا سيما فيما يخص الوظائف ومسؤولياتها، ما يجعلك تستعد جيداً للفرص القادمة، وتزيد من فرص نجاحك في مقابلات التوظيف و إعلانات التوظيف.
5- مراجعة وتحديث السيرة الذاتية
حدث سيرتك الذاتية باستمرار في ضوء ما ذكرنا سابقاً؛ فسيرتك الذاتية هي مرآة لمستوى تعليمك، وخبرتك، ومهاراتك، وإنجازاتك في هذا المجال. عندما ترسل سيرتك الذاتية إلى مسؤول توظيف، احرص على تضمين سيرتك بالمعلومات ذات صلة بالوظيفة التي تتقدم إليها في ضوء ما تملكه من مؤهّلات.
مهارات العمل في مجال الطاقات المتجدّدة
تحتاج القوى العاملة المستقبلية في الطاقة الخضراء إلى فهم التقنيات المتغيّرة في هذه الصناعة، إضافة إلى مجموعة مهارات نلخص أهمها:
1- المعرفة التقنية
يحتاج موظفو الطاقة المتجدّدة إلى امتلاك فهم ممتاز للمبادئ والمفاهيم العلمية والقضايا والاتجاهات والخصائص الحالية التي تتم مواجهتها؛ لاتخاذ قرارات صائبة تستند إلى الحقائق والبيانات والأرقام.
اقرأ أيضا الآفاق المستقبلية لهندسة الطاقة المتجددة
2- مهارات التفكير الاستراتيجي
يمتلئ قطاع الطاقة الخضراء بالإمكانيات القائمة على الاستكشاف والاكتشاف وتجربة أنظمة وعمليات جديدة مبتكرة؛ وذلك لمعرفة الأنجح والأكثر فاعلية في المجال الطاقي المتجدّد.
3- الابتكار
تواجه صناعة الطاقة الجديدة تحديات مستمرة للاستثمار؛ ما يتطلب من القادة أن يكونوا قادرين على اتخاذ قرارات صائبة، وتطبيق حلول خلاقة، وابتكار طرق فريدة لخفض التكاليف مع تلبية متطلبات العملاء.
4- التواصل
تعدّ مهارات الاتصال القوية في مجال الصناعة الخضراء ضرورية لإحداث تغيير حقيقي، وإنشاء شبكات وبناء علاقات مع الزملاء والعملاء. فالقدرة الطبيعية على التواصل الجيد لابدّ منها لتحقيق الأهداف، وإبقاء المشاريع على المسار الصحيح، والتأكد من توصيل الأفكار الجديدة بوضوح إلى الجهات المناسبة.
في السياق ذاته، يُظهر تقرير Global Energy Talent Index (GETI) أهم المهارات التقنية المطلوبة في موظفي قطاع الطاقات المتجدّدة، كما هو موضّح في الصورة أدناه.
فرص العمل المتاحة في مجال الطاقات النظيفة
تظهر وظائف جديدة دوماً في سوق الطاقات النظيفة الحديث نسبياً، وما يزال في مراحله الأولى. نستعرض في هذه الفقرة أكثر المهن طلباً في سوق الطاقات المستدامة:
- استشاري طاقة شمسية: مسؤول عن تقييم استهلاك الطاقة وإبلاغ العملاء بحجم الاستخدام. إلى جانب تطوير استراتيجيات مساعدة للشركات والعائلات لتقليل طاقتهم.
- ضابط صحة وسلامة البيئة: ينفذ ضابط الصحة الخطط الصحية، بما في ذلك تلك التي تركز على مياه الصرف الصحي والسموم والمواد الخطرة. فضلاً عن تفتيش أماكن العمل ومنازل الأفراد؛ للتأكد من أمنها وخلوها من المخاطر الصحية التي قد تأتي من التسمم الغذائي والآفات والأمراض وغير ذلك.
- مهندس الاستدامة: يقوم مهندس الاستدامة بتصميم وإنشاء أنظمة تلتزم بمواصفات استدامة محدّدة، باستخدام تقنية رسم الخرائط وأدوات مختلفة لإنشاء النماذج وجمع البيانات المساعدة في ابتكار التصميمات.
- مهندس طاقة: يساعد مهندس الطاقة المباني على تنفيذ أنظمة وهياكل أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. ويشمل عمله الإضاءة وتكييف الهواء وجودة الهواء وأنظمة المنزل أو البناء الأخرى.
- عامل تركيب الطاقة الشمسية: يقوم عامل تركيب الطاقة الشمسية بتركيب الألواح الشمسية على أسطح المباني على اختلافها. إلى جانب تركيب معدات إضافية كالبطاريات وأجهزة التحكم.
هل العمل في مجال الطاقات النظيفة مجدٍ اقتصادياً؟
أدت التحسينات التكنولوجية والطلب على الطاقة النظيفة إلى ازدهار اقتصاد الطاقة النظيفة والوظائف الخضراء، حيث يواصل المستثمرون في الطاقة المتجدّدة التفوق على الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم. وكشف تقرير لمركز تمويل المناخ والاستثمار أن حالة الاستثمار في الطاقة الخضراء واضحة، وأن محفظة مصادر الطاقة المتجدّدة العالمية أقل ارتباطاً بالسوق الأوسع من محفظة الوقود الأحفوري العالمية، ولا سيما منذ بداية الانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة فيروس كورونا؛ فقد وجد المركز أن نسبة المخاطر والعائد على الطاقة المتجدّدة متفوقة في كل من ظروف السوق النموذجية وفي الأزمات.
اقرأ أيضا الجدوى الاقتصادية للطاقة المتجددة
فقد تجاوزت أرباح الكهرباء الخضراء أرباح الوقود الأحفوري بمقدار 367٪ في السنوات العشر الماضية، وانخفض -في الوقت نفسه- معدل التقلب السنوي للطاقة المتجدّدة، مقارنة بالوقود التقليدي في الاقتصادات العالمية والمتقدمة عدا الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
من المتوقع أن يوفر الانتقال إلى الطاقة النظيفة 10.3 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم بحلول عام 2030.
أكاديمية الطاقة المتجدّدة في الأردن
تأسست أكاديمية الطاقة المتجدّدة في الأردن بالشراكة بين ألمانيا والحكومة الأردنية؛ لدعم عجلة التحول الطاقي التي يتبناه الأردن، من خلال تقديم ورشات وبرامج تدريبية على مستوى عالٍ من الكفاءة لرفد القطاع في المنطقة العربية بالكفاءات.
نذكر في هذه الفقرة عدد من هذه الورشات والبرامج:
– دورة المهارات الرقمية لفنيي الطاقة المتجدّدة:
هو برنامج مكثفٌ يُقدم بالتعاون بين الأكاديمية ومؤسسة نيوفيرسيتي التعليمية، حول المهارات الرقمية لتعزيز عملية التحول الرقمي في قطاع الطاقة في الأردن، من خلال تطوير مهارات الاتصال الرقمي وإدارة المشاريع عن بعد، إلى جانب المهارات أخرى اللازمة للتحول الرقمي على المستويين الشخصي والمهني فيما يتعلق بالطاقة المتجدّدة.
ختاماً، يبدو أن التحول إلى الطاقة النظيفة بات أمراً حتمياً سيكون له تداعيات على المشهد الوظيفي في الطاقة والقطاعات ذات الصلة في السنوات القادمة، ما يتطلب من المؤسسات تنفيذ سياسات صناعية، ووضع خطط تعليمية تدريبية لخلق قوة عاملة ماهرة، وتعزيز استراتيجيات الاستثمار العام لدعم التنمية الاقتصادية الإقليمية المستدامة.
المصادر
